بداية أشكر كل من أشاد بمقالي السابق التجارة الإلكترونية (المشاكل, الحلول, الفرص) الذي بحمد الله وجد قبول جيد, ووصلتني اقتراحات بخصوص إن بعض النقاط لم أوفيها حقها من الحديث وتحتاج لتفصيل أكثر لذلك سأقوم بأذن الله خلال الفترة القادمة بطرح مقال خاص لكل نقطة مهمة من المقال بعد الانتهاء من سلسلة مقالات المنافسة في الشركات الناشئة.
مقال اليوم هو الجزء الأول من سلسلة مقالات تتحدث عن المنافسة في الشركات الناشئة وستكون بإذن الله شيقة وممتعة خصوصاً إنها عن أفضل الشركات الناشئة بالمنطقة حالياً, وبعد إن انتهي من وصف المنافسة في هذه المقالات سأختمها بمقال عن كيفية تجاوز المنافسة في الشركات.
بحكم تخصصي في التخطيط الاستراتيجي وتطوير الأعمال فإن لدي شغف لدراسة أعمال الشركات خصوصاً الناشئة وذلك للتعرف على عوامل النجاح والفشل فيها ورؤية فرص التطوير والنمو التي تحتاجها, ومنها كان المدخل لكتابة هذه المقالات بهدف تعريف القارئ الكريم عن المنافسة وتطورها في الشركات.
مقال اليوم يتحدث عن المنافسة بين أكبر شركتين تشهد رواج في المنطقة وهي كريم و اوبر ولمن ليس لديه معرفه بها فهي شركات تكنولوجيا متخصصة في قطاع المواصلات فكرة عملها تقوم على إنشاء منصة توفر المواصلات من خلال الربط ما بين السائقين والركاب لإيصالهم للوجهات التي يريدونها, حيث قامت شركة أوبر بتطوير نموذج العمل هذا بداية عام 2009م ومنها بدأ النمو الكبير لهذه الشركة حتى وصلت حالياً لتقديم خدماتها في 540 مدينة حول العالم وتقييم يناهز 60 مليار دولار بعد جولة الاستثمار الاخيرة من صندوق الاستثمارات العامة, وبعد إن نجح نموذج العمل هذا سارعت شركات كثيرة لتقليد نفس نموذج العمل ومنها شركة كريم التي تأسست عام 2012م وتقدم خدماتها حالياً في 52 مدينة في المنطقة وتقييمها يناهز مليار دولار.
أولاً: كيف تنشأ المنافسة, وعلى ماذا تتنافس الشركتين
هناك أسباب كثيرة تنشأ من خلالها المنافسة منها الحالة التي نناقشها في هذا المقال وهي عندما تقوم شركة بتطوير نموذج عمل مربح وفي هذا المقال نتكلم بالطبع عن أوبر التي قامت بتطوير نموذج عمل قائم على الاقتصاد التشاركي في قطاع المواصلات وذلك بتوفير المواصلات لعملائها من خلال سائقين يمتلكون سياراتهم الخاصة وذلك من خلال لعب دور الوسيط فيما بينهم دون أن تضطر إلى امتلاك أي سيارة وبعد نجاح النموذج قامت شركات كثيرة بتقليد نموذج العمل مثل كريم لتبدأ المنافسة على هذا السوق من قبل أكثر من منافس.
تتنافس الشركتين حالياً على الحصة السوقية فهما يستهدفان نفس شريحة العملاء ولذلك نرى الان المنافسة على أشدها بين الشركتين.
ثانياً: عوامل المنافسة
عادة ما تتركز المنافسة حول القيمة المضافة الأهم لشريحة العملاء التي تخدمها حيث أن القيمة المضافة الأهم لعملاء الشركتين هي السعر وهو ما كان العامل الأهم للمنافسة وفعلياً فإن من قاد هذه المنافسة حتى الان هي اوبر التي قامت بتخفيض اسعار الرحلات أكثر من مرة و كانت كريم تتجاوب لتخفيض الاسعار ولكن هذه لم يكفي لأن اوبر خلال استباقها لتخفيض الاسعار تركت انطباع لدى الشريحة المستهدفة من الشركتين ان اسعار شركة اوبر اقل من شركة كريم ولهذا فهي تستحوذ على الحصة السوقية الأكبر.
اوبر واجهت نفس نوع المنافسة سابقاً في الصين من قبل شركة ديدي الصينية حيث اتبعت ديدي نفس الاستراتيجية على شركة اوبر وضغطت على اوبر مما أدى ذلك إلى خسائر كبيرة على الطرفين ولكن لم تستحمل اوبر هذه المنافسة لتعدد الأسواق التي تعمل بها إلى ان استسلمت أخيرا وتنازلت عن هذه المنطقة لديدي وذلك من خلال استحواذ ديدي على فرع أوبر في الصين مقابل حصة في ديدي, حرب الاسعار لم تكن العامل الوحيد الذي أخرج اوبر من الصين ولكنه كان الاهم وحالياً اوبر تتبع هذه الاستراتيجية مع كريم وقد نجحت فيها حتى الأن.
السوق حالياً لا يزال يستوعب الشركتين ولكن المنافسة على اشدها بين الشركتين مما يرفع التكاليف ويقلل هوامش الربحية على الشركتين.
العوامل الأخرى المتعلقة بالمنافسة التي تضغط على أعمال الشركتين
نماذج التسعير
نماذج التسعير من أهم العوامل التي تؤدي إلى نجاح نماذج الأعمال والنموذج المستخدم من الشركتين قائم على الاشتراك في ربحية كل رحلة يتم أبرامها ما بين العملاء والسائقين وهو أعلى النماذج ربحية ولكنه دائماً ما يؤدي إلى تقليل الأرباح وزيادة التكاليف والمنافسة على المدى البعيد مالم تكن الشركة المستخدمة للنموذج محتكرة للمنتج الذي تقوم ببيعه.
بالرغم من أن السوق في المنطقة ضخم ويستوعب الشركتين حتى الأن ويقدم لهم ربحية جيدة ولكن هذا النموذج يؤدي في النهاية إلى حرب الأسعار التي تواجهها الشركتين حالياً والتي عادة لا يوجد رابح فيها وإن كان هناك رابح بعد فترة طويلة من المنافسة فسيكون قد عانى من خسائر كبيرة.
إذا لماذا قد يكون نموذج التسعير هذا هو أكبر مشكلة تواجه الشركتين؟
لأن الخدمة التي تقدم للعملاء تتم خلال سائقين مستقلين يقدمون الخدمة بغرض الربح وليس للشركة سيطرة عليهم وفي حال استمرت حرب الاسعار ما بين الشركتين ستفقد جزء كبير منهم لأن جدوى العمل من خلال التطبيق ستنعدم وبالتالي فقدان العملاء الذين تستهدفهم الشركتين بأسعار أقل لزيادة حصتها السوقية.
المدفوعات النقدية
عندما بدأت كريم أعمالها بالمنطقة عام 2012م واجهت مشكلة عدم توفر البطاقات الائتمانية لدى عملائها لذلك كانت سباقة في فتح قبول الرحلات عن طريق الدفع النقدي وهذا جعلها تنمو بشكل كبير وزاد من عدد الرحلات التي تقدمها للعملاء ولكن للأسف لم توجد قبله حل للمدفوعات التي ستصل إليها على شكل نقد الذي يأتي بشكل مستمر لمكاتبها من خلال السائقين والذي يعد مشكلة أمنية عليها ويؤدي لفقد جزء من دخلها لعدم دفع بعض السائقين المستحق عليهم من النقد, أيضاً يكرر من زيارة السائقين لها بشكل مستمر ويزيد من تكاليف عملياتها التشغيلية على شكل موظفين.
أما اوبر فقد تلافت هذه المشكلة حتى الأن لأنها لا تستقبل النقد في مكاتبها وانما تتحصل على ارباحها عن طريق الرحلات التي يتم دفع أجرتها بواسطة البطائق الائتمانية, ولكن أيضاً تواجه اوبر مشكلة من نوع أخر فيما يخص مستحقاتها وذلك بشكل غير معلن فعندما تصل الأرصدة المستحق دفعها من قبل السائقين لأوبر حد معين تقوم أوبر بإيقاف الرحلات التي يتم تحصيل أجرتها نقداً عن هؤلاء السائقين ولا يستطيعون سوى استقبال الرحلات التي يتم دفع اجرتها بالبطائق الائتمانية والتي عادة ما تكون قليلة والتي بدورها تؤدي إلى انسحاب سائقين من الشركة لعدم توفر رحلات كافية لهم.
تكلفة استقطاب السائقين
يواجه السائقين عدة تكاليف تقلل من ربحية السائق بشكل كبير وتؤدي إلى انسحابات كبيرة من الشركتين مثل: (الوقود, الاطارات, نظافة المركبة, الصيانة) ولذلك تقوم الشركتين باستمرار بتقديم عروض للسائقين على شكل مكافآت واعلانات لهم لتحاول استعادة المنسحبين منهم وهذا كله يؤثر بشكل كبير على ربحية الشركتين.
الاستثمار في المستقبل
اوبر تسعى إلى ان تكون تكلفة استخدام المواصلات عن طريقها أقل من تكلفة شراء السيارة ولذلك فهي تعمل على قدم وساق لتقليل رسوم رحلاتها على العملاء ولكن هذا لا يكفي لأنها تقدم رحلاتها عن طريق سائقين مستقلين وتعلم أن لديها حد معين لتخفيض السعر اذا ما تجاوزته يمكن ان يواجه بنسبة انسحاب كبيرة من السائقين لذلك فهي تعرف حجم هذا التهديد على اعمالها والهدف الاستراتيجي الذي تريد الوصول له, مما جعلها تعمل من فترة على الاستثمار في السيارات ذاتية القيادة لكي تكون جزء من أسطولها مستقبلا وبدأت تتبع خطاها كريم في هذا المجال, ولكن ليس هنالك شيء مؤكد على ان هذه التقنية ستغزو الأسواق خلال وقت قريب بالإضافة إلى العوامل النفسية لدى العملاء من حيث الركوب مع مركبة تقود نفسها آلياً الذي يحتاج لفترة طويلة من الترويج والتوعية والذي بمجمله بالإضافة للمنافسة يؤثر على ارباح الشركتين بشكل كبير.
ثالثاً: آثار المنافسة على الشركات
المنافسة في الأعمال أمر طبيعي وصحي وهو يعمل على نضوج الشركات وتطويرها باستمرار لتقديم خدمة أفضل لعملائها ولكن المنافسة الشديدة عادة ما تكون مضرة للأعمال لأنها توصل المتنافسين إلى التشتت الاستراتيجي بشكل كبير, فبدلاً من التركيز على شريحة عملائها التي تقوم بخدمتها واستراتيجيتها التي بنتها مسبقاً تصبح تركز على تحركات المنافس التي تصبح فيما بعد هي محور استراتيجية الشركة فتصبح الشركة الأضعف في المنافسة تتحرك بناء على تحركات منافسها الذي يقود السوق.
إن العمل باستراتيجية مراقبة المنافسين ومحاولة التغلب عليهم بأن تعرض المزيد بتكلفة أقل غير ناجحة على المدى البعيد حيث ستعمل هذه الاستراتيجية على زيادة مبيعات الشركة على المدى القريب لكنها ستزيد من مستوى المنافسة والتكاليف على المدى البعيد.
مثال عن المنافسة الشديدة بين الشركات
منذ ما يقارب عشر سنوات كانت هناك حرب أسعار حدثت بين شركات الألبان في السعودية استمرت لفترة طويلة وتخللها بعض الهدنات فيما بينها للتدخل الحكومي فيما بينهم لأكثر من مرة نتج عنها خروج الشركات الصغيرة من السوق و انسحاب بعض الشركات من مناطق كانت تتواجد بها في السعودية لصالح المنافسين الكبار لعدم قدرتها على الصمود أمام المنافسة.
وهنا أضع بعض الاسئلة التي ستجدون في إجاباتها توضيح لمستوى المنافسة الذي لم يظهر حتى الأن:
- بما ان اوبر هو الطرف الأقوى بالمنافسة بالسعر حتى الان, فإذا ما استمرت اوبر في تخفيض الأسعار إلى متى تستطيع كريم تحمل المنافسة ولكم من جولات الاستثمار أو التمويل ستقوم به مجدداً للبقاء في المنافسة؟
- ماذا لو قررت أحد الشركتين (اوبر, كريم) اتباع نفس طرق المنافسة التي اتبعتها ديدي مع اوبر في الصين سابقاً من حيث عدم أخذ أرباح من السائقين لفترة طويلة للضغط على الأسعار بأكبر شكل ممكن على المنافس ماذا سيكون رد فعل الشركة المنافسة وكيف سيؤثر هذا على ارباحها وتكاليفها مستقبلاً؟
- كريم تتوسع بشكل كبير في المنطقة فهل وضعت في اعتبارها لو حدث سيناريو مثل الذي حصل لشركات الالبان بسبب المنافسة, هل ستقوم بالاستغناء عن مناطق تتواجد بها حالياً مثلما انسحبت أوبر من الصين؟
- هل وضعت الشركتين في حساباتها ماذا لو دخل منافسين كبار جدد للسوق إلى أين قد يصل مستوى المنافسة؟
الخاتمة
هناك طرق كثيرة لتجاوز المنافسة بين الشركات وسأفرد لها مقال خاص بعد الانتهاء من نشر مقالات المنافسة, ومن دراستي لأعمال الشركتين وجدت فرص كبيرة جداً لها للنمو إذا ما تجاهلت المنافسة وركزت بشكل أكبر على استراتيجيتها وشرائح عملائها الحالية والمستقبلية حيث:
“ليس فقط كل شخص يتنقل يمكن أن يكون عميل لها, بل كل شيء يمكن نقله يمكن إن يكون أحد عملائها”